كتاب رائ وعالمية

ثقافة قانونية.. أحمد ابو رمبيل يكتب .. حتمية العدالة الانتقالية في السودان

الخرطوم | الان نيوز

تُشيرُ العدالة الانتقاليّة إلى كيفية استجابة المجتمعات لإرث الانتهاكات الجسيمة والصّارخة لحقوق الإنسان. وهي تطرحُ بعضًا من أشدّ الأسئلةِ صعوبةً إن كان ذلك في القانون أم السياسة أم العلوم الاجتماعيّة، وتجهدُ لحسمِ عددٍ لا يُحصَى من الجدالات. إنَّ العدالة الانتقاليّة تُعنى، أوّلًا، بالضّحايا، قبلَ أي اعتبارٍ آخر.
تخيّل أن يُخطفَ أحدُ إخوتِكَ أو أخواتِكَ أو يُقتل وهو في طريق عودته إلى البيت. أو تخيّل أن يُخفَى أحدُ أبويْكَ قسرًا على يدِ فرقة موتٍ عسكريّة. او ان يتم انزالك من عربتك ونهبها منك في الطريق العام، اوتسرق اوتنهب عربتك من بيتك، اويسرق مالك اوينهب، او يقصف منزلك ويدمر وتفقد بعض اوكل أسرتك، او يسرق متاع منزلك اوينهب، اويقتل احد افراد اسرتك بطلق طائش اوبالقنص، لا شكَّ أنّكَ ستُفجعُ وتحزن حزنًا شديدًا، فالخسارةُ لا تُحتمل. وعاجلًا أم آجلًا، ستسألُ عن إجابات. وستطالبُ بأن ترى العدالة تأخذ مجراها.
لكن، ماذا لو كان الأمر لا يُحصر بضحيّة واحدة فحسب، بل يشمل عشرات أو مئات الآلاف من الأشخاص – أمثال أهلنا وأخوتنا وأخواتنا وأطفالنا- الّذينَ يُقتلونَ بوحشيّة أو يُخفَونَ أو يتعرّضون لضروبٍ تفوق حدّ الوصفِ من الاضطهاد أو التعذيب أو العنف الجنسي أو العنف القائم على النّوع الاجتماعي، أو يُجبرونَ على الفرارِ مذعورينَ من منازلهم، مُخلّفينَ وراءهم الحجرَ والبشر؟ ماذا لو أنّ جماعاتٍ بأكملها قُتِلَت أو اضطُهِدَت بسببِ إثنيّتها أو عرقها أو دينها أو نوعها الاجتماعي، أو انتمائها السياسي؟ ماذا لو أنّ الجماعات هذه جُرِّدَت بشكلٍ مُمنهجٍ من حقوقها كافّة، بما فيها الحقوق الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وأُرغِمَت على العيشِ على هامش المُجتمع؟
في المجتمعات التي تحاول إعادة بناء نفسها من جديد والانتقال من تاريخ عنيف يتسم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتُكِبَت في سياق ممارسة القمع أو في سياق نزاع مسلح أو غير ذلك من السياقات الأخرى، تبرز تساؤلات بالغة الأهمية تتناول كيفية الاعتراف بالانتهاكات ومنع تكرارها، وتلبية مطالب العدالة واستعادة نسيج المجتمعات المحلية الاجتماعي، وبناء سلام مستدام. فالعدالة الانتقالية هي النظام الذي يسعى إلى بذل كل ما يلزم كي تنجح المجتمعات في التعامل مع مثل هذه الموروثات الصعبة، وتطوّر أدوات مختلفة من أجل تحقيق هذه الغاية، وطال الذمن ام قصر ستتوقف الحرب الحالية في السودان اما باتفاق رضائي بين المتحاربين، او بتدخل المجتمع الدولي وفرض السلام بالقوة المسلحة تحت الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن الدولي.
وفي واقعنا الماثل فان جميع الانتهاكات الجسيمة الني طالت حقوق الإنسان هي مسؤلية الدولة فهي المسؤل الاول عن حماية المواطن من جميع انواع المخاطر المادية والمعنوية، وقد يدخل المجتمع الدولي اوالاقليمي كشريك ضامن اومساهم في جبر الاضراروضمان المحاسبة الضرورية حتي يشعر الضحايا بالرضي، وذلك اذا رعي المجتمع الدولي، عمليات المصالحة ويشمل ذلك عمليات القتل، والنهب، والسرقة، والاحتجاز، والاخفاء القسري، والاختطاف، والاغتصاب، والنزوح، واللجؤ، ومنع الاجور، والقصف العشوائي، وتدمير الاعيان والمؤسسات المدنية والمستشفيات،
&&ضرورةالعقوبة:
لابد ان تشمل عملية العدالة الانتقالية محاسبة الجناة والذين ترقي افعالهم الي مستوي الجرائم الدولية والتي خرقت مواثيق حقوق الانسان المحمية بقوانين الامم المتحدة، وخاصة قيادات طرفي النزاع والذين لم يبزلوا الجهد المعقول مع منسوبيهم، لضمان حقوق الانسان وحماية المواطن من الانتهاكات الجسيمة لحقوقة المضمونة بالمواثيق الدولية، وفي هذة الحالة لابد من محاكمات شفافة وعادلة اما بالقضاء الوطني اذا ضمنت حياديتة، او بمحكمة العدل الدولية في لاهاي،
بالنسبة إلى الأمم المتّحدة، تشمل العدالة الانتقالية “كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة,
$$هدف العدالة الانتقالية:
تهدف العدالة الانتقالية إلى الاعتراف بضحايا تجاوزات الماضي على أنّهم أصحاب حقوق، وتعزيز الثقة بين الأفراد في المجتمع الواحد، وثقة الأفراد في مؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وتعزيزسيادة القانون . وبالتالي، تسعى العدالة الانتقالية إلى المساهمة في المصالحة ومنع الانتهاكات الجديدة.
إنّ العدالة الانتقالية متجذّرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويقع على عاتق الدول التزام بتوفير سبل انتصاف فعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وتلبية حقوقهم في الحقيقة والعدالة والجبر. ومن أجل الوفاء بهذا الالتزام، وكي تكون العدالة الانتقالية قادرة على المساهمة بفعالية في السلام والمصالحة المستدامين، لا بد من اتباع نُهج شاملة. وتسعى مثل هذه النُهج إلى إحراز تقدم على مستوى جميع أبعاد العدالة الانتقالية وبطريقة متكاملة.
تشمل عمليات العدالة الانتقالية تقصي الحقائق ومبادرات الملاحقات القضائية وأنواع مختلفة من التعويضات ومجموعة واسعة من التدابير لمنع تكرار الانتهاكات من جديد، بما في ذلك الإصلاح الدستوري والقانوني والمؤسسي، وتقوية المجتمع المدني، والجهود الرامية إلى تخليد الذكرى، والمبادرات الثقافية، وصون المحفوظات، وإصلاح تعليم التاريخ، بحسب اقتضاء واحتياجات كلّ سياق.
&&العدالة الانتقالية شكلا وموضوعا:
ينبغي لعمليات العدالة الانتقالية ان تكون :
1/محدّدة السياق: تستند العملية إلى خصوصيات سياق السودان، والسياقات السياسية والمؤسسية والقانونية والتاريخ والثقافة والأولويات المحلية، بما في ذلك توقّعات الضحايا ومطالبهم في ما يتعلق بالعدالة والمصالحة وإعادة البناء بعد العنف.
2/ ان تكون وطنية: تمتلك العملية السلطات الوطنية والمحلية، فضلاً عن مجتمعات الضحايا المحلية والمجتمع ككل، وتشارك في تصميمها وتنفيذها، والاعتراف بها، وتعتمدها لفهم إرث الماضي وتركته وبناء رؤية مشتركة للمستقبل.
3/ان تكون شاملة: تشمل العملية جميع أصحاب المصلحة، سواء أكانوا من الضحايا أم المارة أم مرتكبي الجرائم، بغض النظر عن خلفيتهم السياسية والاجتماعية والدينية والعرقية، وكذلك المجتمعات المحلية والمجتمع الأوسع، مع التركيز على إشراك مَن يُستَبعَد ويُهَمَّش تقليديًا أو عادةً (الأقليات العرقية والدينية والنساء والشباب والأطفال، إلخ).
4/ان يكون محورها الضحية:
تعترف العملية بأهمية الضحايا المحورية ووضعهم الخاص عند تصميم عمليات العدالة الانتقالية وتنفيذها، وتحترم كرامتهم
وآرائهم وأولوياتهم واهتماماتهم بالكامل.
مراعية للفوارق بين الجنسَيْن: تشرك العملية المرأة في جميع مراحل ومستويات عملية صنع القرار في ما يتعلّق بعملية العدالة الانتقالية والتصدي الشامل لمجموعة كاملة من انتهاكات حقوق الإنسان ، من خلال التركيز بشكل خاص على الانتهاكات الجنسية والجنسانية وأسبابها الجذرية.
تضمن العملية المشاركة الفعالة والتشاور مع الضحايا والمجتمعات المتضررة عند تصميم آليات العدالة الانتقالية وتنفيذها، فتساهم بالتالي في إحداث تحول في تصورات الضحايا والمجتمع الأوسع نطاقًا وفهمهم لوضعهم وأدوارهم كمستفيدين من العملية وكعوامل تغيير في السعي لتحقيق هذا التحوّل والسلام والديمقراطية والمصالحة ولا تُفهَم العملية على أنها ممارسة تتطلع إلى الماضي فحسب بل أيضًا كفرصة للتطلع إلى المستقبل فتحقّق تحوّلًا مجتمعيًا جذريًا من خلال تلبية احتياجات الضحايا ومعالجة أسباب الانتهاكات، بما في ذلك التفاوتات الجسيمة وهياكل السلطة غير العادلة والتمييز المترسّخ والإقصاء وأوجه القصور المؤسسية والإفلات الهيكلي من العقاب وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى التي تهدّد السلم والأمن أو تولّدهما.،
إذا استوفت عمليات العدالة الانتقالية هذه المعايير، فإنها تساهم في إحداث التغيير الجذري في المواقف الذي تتطلبه التحولات كي تبقى مستدامة. وكي يتعافي المجتمع وينهض بعد ما الم به وفي هذا السياق، من الضروري ضمان أوسع مشاركة ممكنة لمنظمات المجتمع المدني في صنع القرار.

إنضم لقروباتنا بالواتساب لتصلك اخر الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى